الربيع إلإسلامي
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك بدأت موجة من الإسلاموفوبيا تجتاح العالم الغربي، والتقفها بعض حكام العالم الإسلامي والعربي، وكانت بمثابة فرصة تاريخية أتيحت للأنظمة التي تعاني من تهديد خفي من ثوران شعوبها، ورفضهم لديكتاتوريتهم، وذلك لإطالة بقائهم وتكريس جلوسهم المزمن على كرسي الحكم.
إلا أن المسألة في الحقيقة كانت مسألة وقت، وكان العالم كله مدركاً بين متمنٍ أو متخوف، أن المد الإسلامي سيأتي بتغيير ما، لا محالة.
بل كان الانتظار أقدم من كونه وليد الحدث، إذ كان المفكر الجزائري مالك بن نبي المتوفى سنة 1973م يحاضر عن دور المسلم ورسالته في الربع الأخيرمن القرن الماضي، وكان ذلك في عام 1972م مستشهدا بالقرآن " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً)"البقرة:143
و قد توقف رحمه الله عند البشارة الإلهية : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" الصف 9".
ولما هبت رياح الثورة على ايران سنة 1979 استبشر كثيرون، وخاصة الإسلاميون منهم، بأن الدور الذي سيلعبه الإسلاميون مستقبلاً سيكون متعاظماً، وأن رياح التغيير ستهب كذلك على باقي العالم الإسلامي، وأنهم لا محالة سيحققون المعادلة الصعبة في المنظور القريب .
لقد تبين عبر التاريخ الحديث، أن الاسلاميين هم التيار الأكثر مقاومة للحكام، وهم أكثر من دفع ثمنا جراء ذلك طيلة عقود قبل وما بعد ما يسمى بالإستقلال، فدفع الإخوان في مصر جراء هذه المقاومة منذ دعوة حسن البنى الى الآن ثمنا باهظاً، ووقفوا في الصفوف الأولى لمقاومة دكتاتورية العسكريين الذين حكموا مصر منذ سنة 1952 الى الآن.
ووقف الإسلاميون في ليبيا بكل عزيمة وعقيدة ضد الطاغية معمر القذافي وساهموا في اسقاطه بشكل كبير.
كما شهد المغرب الأقصى دورهم وسعيهم الحثيث من أجل التغيير بالمقاومة السلمية، فكان لهم نصيب للمشاركة في الحكم.
و في تونس رائدة الربيع الإسلامي، كان لثقة الشعب في الحركة الإسلامية وقع كبير على تغير موازين القوى بعد هروب الطاغية بن علي، اذ منح التونسيون ثقتهم لحركة النهضة ففازت بأغلب الأصوات. و لعب الإسلاميون نفس الدور في اليمن و سوريا و الأردن لتحويل موازين القوى لصالحهم و زعزعة عروش طغاة هذه البلدان...
ثورات الربيع الإسلامي التي بدأت بتونس مقتلعة جذور أعتى النظم العلمانية المرتبطة بالغرب الصليبي، التي قادها الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة و حاول هدم العقيدة والأصالة في نفوس الشباب، وذهب على نهجه خلفه زين العابدين بن علي بشراسة أكبر، مستغلاً برنامج أمريكا في الحرب على الإرهاب، مواصلاً مسيرة تجفيف اليانبيع للمد الإسلامي، هذه الثورات كانت متعاقبة و سارت مثل النار في الهشيم ،إن مركب الإسلام قد ابحرت و لن يوقفها أحد بأذن الله .
و فعل كمال أتاتورك نفس الصنيع في تركيا، واليوم حكومة العدالة هي أكبر شاهد على
هذا التحول المفروض على العالم كله لمجريات الأمور.
لقد هب العلمانيون وأيتام فرنسا وأتباع اليهود، لمحاربة الظاهرة الإسلامية بكل قوة وأصابهم الفزع الأكبر. و هم من يقفون اليوم وراء الثورات المضادة في العالم الإسلامي.
البعض يرجع هذه الثورات للمخابرات الصهيونية و الغربية الا ان الأمور لا تسير لصالح هذه الجهات فكيف نترك مبارك الحليف القوي لمرسي الحامل للفكر الإخواني و الذي قاد الحرب على الصهيونية منذ 1948 و القضية الفلسطنية هي مسألة محورية لديه و كيف نترك نظام بن علي العميل و المطواطئ لنظام تقوده اغلبية اسلامية معادية للفكر الصهيوني و مساندة للقضية الفلسطنية,
بل الربيع الإسلامي جاء مفاجأ للأنظمة الحاكمة وحتي للنظام العالمي وهو شئ كان متوقعا لكنه لم يتنبأ الجميع بوقت حصوله فقد تكون هذه القوى اليوم تريد استدراك الأمر و محاولة التأثير في التوجهات المستقبلية لهذه الثورات وهذا يجعل التحديات كبيرة أمام هذه الثورات و الطريق ملئ بالعقبات ولكن الله لا يخلف الميعاد (و نريد أن نمن على الذين إستضعفوا ... الآية) القصص .
اليوم كل شعب من شعوب الثورات الإسلامية يناضل لوحده غدا ستناضل هذه الشعوب معا و بعد غد سيكون نضالها ان شاء الله في فلسطين و هذا وعد من لا يخلف الميعاد "لن يأتي يوم القيامة حتى .. الحديث....
واليوم حلم المسلمون، هو أن يعود الدور الريادي للإسلام، ويستلم زمام الحضارة و يتم التمكين لشرع الله، وانجاز الدستور الإسلامي ويقوم أولي الأمر بالإصلاح السياسي والاقتصادي الضروري لنهضة الأمة و إقامة دولة العدالة الاجتماعية، واطلاق الحريات وفق الضوابط الإسلامية،الحريات هي مسألة أساسية في نجاح الثورات فالإسلام هو حرية الإختيار و العقيدة (لا إكراه في الدين) و تحقيق استقلالية الأجهزة القضائية والتنفيذية والتشريعية، وتساوي الجميع أمام القانون، ومحاربة الفساد، وانهاء مفاهيم الجاهلية الأولى التي تنتصر للعصبية القبيلة والجهوية و المذهبية والعرق والإثنيات .
ولابد بأن نذكر أن شباب الثورات الإسلامية العربية هم الذين كانوا وقود هذه الثورات و هم الذين يقودون اليوم حرب البقاء و التمكين و المحافظة على مكتسبات الثورات المجيدة.
قامت الثورات تحت شعارات «لا إله إلا الله» .. «الله أكبر».. الشعب يريد إسقاط الطواغيط، الأمر الذي يؤكد أن لعقيدتهم دور في تثبيتهم واستمرارهم مهما كثرت المواجهات والمناوشات، والعراقيل، فرغم الضعف الذي رافقهم سنين إلا أن شعاراتهم كانت مصدر انطلاقهم وشحنهم بالعزيمة. ولنعلم حتى ولو أخفقت محاولات الإسلاميين الآن، فإنه ليس بدليل على فشل المنهج، ولكن هناك عوامل كثيرة تتعلق بما خلفه الطواغيت من آثار اجتماعية وفكرية واقتصادية، وتتسم المرحلة الراهنة وما قد يحاك لها من حيل ومواجهات، بمستقبل مليئ بالتحديات. رغم كل ذلك قد يظهر للبعض صعوبات قد يحلو له أن يسميها فشل، لكن أما وقد اختارت الشعوب فلابد أن إرادتها هي الأثبت.
وهاهي اليوم فلول الأنظمة البائدة تلعب دوراً ميؤوساً منه في محاربة ثورات الربيع الإسلامي في عدة بلدان الا أن الشعوب لا تقهر و خاصة إذا ما أخذت زمام المبادرة بأيديها و دفعت الغالي و النفيس و تخطت حاجز الخوف، فاذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر....
منصف بربوش
تونس في 15 أوت 2012