كنت شـــــــــــــاهدًا
(شهادة رقم 2)
وصلت إلى المدينة الألمانية صباحا وكان أول من استقبلني فتاة في العقد الثاني من العمر معها شاب اتضح لاحقا أنه زوجها، وطلبت منّي بأدب جمّ أن أزور والدها المريض الذي يريد أن يتحدث إليّ ويعتذر لعدم حضور عرض الفيلم. وبعد الاستئذان من منظميّ الحفل، وبعد انتهاء الحفل ذهبنا سويّا لبيت والديها.
استقبلوني بحفاوة بالغة، وبعد العشاء التحق بنا والدها وكان باديًا على محيّاه آثار المرض وكان هزيلا، إلا أنه كان فرحًا للغاية، وكانت ربة البيت السيدة آمال، ومثلما تفانت في الطبخ تفانت أيضا في تصنيف الحلويات والمرطبات وكانت كريمة للغاية وبدأ حبيب في الحديث,
" فررت من جور بن علي ونظامه إلى ألمانيا، فحاولت زوجتي الالتحاق بي عبر ليبيا وطالت بها الإقامة دون أن تجد حلاّ. فخاف من آووها من ترحيلها لتونس من لدن نظام القذافي إن تم التفطن إليها، فسفّروها مع طفلتنا إلى تركيا بواسطة مركب بضائع. وفي تركيا لم نجد حلاّ إلا أن تمرّ عبر النمسا - البلد الوحيد الممكن السفر إليه بدون تأشيرة والقريب من ألمانيا – وهناك، تم إيوائها بمخيم للاجئين، وبعد مدّة قررت المحكمة رفض طلب لجوئها، وتمّ إشعارها بالمغادرة، إلا أن طلب السّلطات النمساوية من زوجتي بعدم اصطحاب ابنتنا معها وأنهم سيحتفظون بها نزل عليها نزول الصاعقة، وفي غفلة من القائمين على الملجأ حاولت زوجتي الافلات بوليدتها إلا أنها لم تنجح وانتشر خبر محاولتها بين المقيمين، ووصل إلى السيد "هانس" مدافع عن حقوق الانسان بالنمسا فأخرج مسرحية أبطالها مدافعون عن حقوق الانسان وصحافيون حول قصة هروب آمال وبطولاتها، وأصبحت مأساتها على كل لسان مما عجل بجمعها بزوجها في ألمانيا والتعاون بين الدولة النمساوية والألمانية على ذلك. واليوم تعيش العائلة الأيام الأخيرة مع والدها الراحل السيد "حبيب" وتلك الوليدة هي التي استقبلتني ولها الآن طفلة وأصبحت أمها صاحبة مدرسة محترمة وأصبحت هي مخرجة سينمائية...