كنت شاهدا
شهادة رقم 4)
اسمه الناصر، طويل قويّ البنية، أخضر العينين، حازم وعارف جيّدا لما يريد هو نقابي وقيادي في الاتحاد العام التونسي للشغل، وجد نفسه أمام الهجمة الشرسة للنظام النفمبري فلم
يجد بدّا إلا أن يلتجئ إلى صومعة المسجد ليختبئ بها. ومن وقت لآخر يتسلل خفية إلى مكان معلوم ليجد قفة بها أكل ولبس نظيف، تضعها أخته خلسة وبعيدا عن أنظار المتطفلين.
المتطفّلون كثر في ذاك الزمان. الكل يعمل لإيصال المعلومة وخاصة ذلك المكانان المقابلان،المتزامنان لمكان اختفاءه وهو مئذنة المسجد "الجامع". إنه يراهما. فهما خليتا نحل وأكثر مكانين يهابهما كل من هو في مثل وضعيته : "الشعبة" و "مركز الشرطة". الشعبة الحزبية والمركز يعملان سويا،و أحيانا الشعبة هي صاحبة الفصل و المركز ينفذ الأوامر، يشاهد الناصر من خلال نوافذ الصومعة النشاط الدؤوب والحركية التي يعيشان عليها، وهو يراقبهما عن قرب ولعله من أجل ذلك أختار المكان ذاته، لأنه غالبا ما يتحاشى الناس القرب منهما، لكن الناصر يتصور أنه بقربه منهما يكون أكثر أمنا.
وفي يوم من الأيام مرضت الوالدة و كان حبه لوالديه لا يساويه حب إلا الله و الرسول، فسرى ليلا لرؤيتها رغم المخاطر وقد نبّهته أخته بأن البيت مراقب ولكن الناصر كان يرى أنّ أمه تستحق كل المخاطر، وهنالك تم القبض عليه وكانوا يعذبونه وهم يتفننون في ذلك، لأنه ضحك عليهم ولم يستطيعوا القبض عليه، فأرادوا إذلاله وإحداث سقوط دائم له في بدنه وكانت الكلمات البسيطة التي يستعين بها في كل مرة عندما يشتد به وجع التعذيب هي كلمات أمه وهو يسلم نفسه "ها ناصر رد بالك تقر على صحاباتك... كون راجل".... يا لها من أم شامخة وأبية. إلا أن صاحبنا الناصر استطاع أن يهرب من جلاديه مرة أخرى ويذيقهم الخزي والعار، ويتمتع بشىء من الحرية إلى أن تأتي المرة القادمة.
و بعد ايقافه مرة أخرى وتسريحه، وفي يوم من الأيام لبت والدته نداء ربها وهي بين يديه راضية عنه وسعيدة بلقائها به قبل أن تدركها المنية، وبعدها بفترة دعته أخته للذهاب لفرح في القرية إلا أنه أبى وفضل البقاء مع والده للعناية بها، وبعد مغادرة الجميع طلب منه الأب عمار أن يأتي إليه بقطعة من الحلوى، حيث اشتهىاها وأحس بحاجة لأكل السكر، فصنع له الشاي وذهب ليشتري له الحلوى وأعانه على أكل القليل منها، فنظر إليه والده قائلا : "ها ناصر أعطيني أيدك انبوسها " فرد عليه الناصر "ها وخذي أباي عمار أنا نقبلك راسك" وقبّل الناصر رأس والده ووضعه على كتفه، وبعد لحظات أحس الناصر أن الأب عمار لا يتحرك فأمسك به وعرف أنها المنية قد أدركته، وهو في أسعد لحظات حياته مجتمعا بابنه الذي أحبه وكان بارّا به، وأحس الناصر بأنه فعلا ما رضا الله إلا برضا الوالدين و أحس بأن الله أراد به خيرا لما ماتا والديه في أحضانه و دعى "اللهم أحسن عاقبتنا" آمين...
منصف بربوش تونس 29 مارس 2016
كنت شاهدا
شهادة رقم 5
عندما قمت باخراج فيلم "محاكمة تونس" كان من ضمن المتدخلين فيه السيد أحمد بن صالح أحد كبار رجالات الحكم في تونس الستينيات و اتذكر انه كان أهم الوزراء على الاطلاق و كانت حقائب وزارية عدة مناطة بعهدته و تساءلت وقتها لماذا انقلب عليه بورقيبة بعد خدمات جليلة و كبيرة و ان كنت أعلم أن بورقيبة ينقلب عن الجميع للمصلحة الشخصية وجاء ت الفرصة في فيلمي الجديد "بشيرة التونسية" لأوجه له السؤال فقال "أن توجهي للتجربة الاشتراكية (التعاضد) كنت أريده مرحليا إلا أن بورقيبة أراد تعميم التجربة و هذا السبب الحقيقي وراء فشل ألتجربة.
و قال "أنا من يوم اللى زرته مع أحد الطلبة لنسلم عليه و وجدناه فرح للغاية يفرك يديه فسألته عن سبب فرحه فأجاب يخي ما في علمكش ؟ قلت له لا سيد الرئيس فال ماهو لحبيب ثامر طاحت بيه الطيارة في بكستان هاو واحد ارتحنا منه قلت أيامي باش تكون سودة مع بورقيبة"
:هنا تساءلت لما طلبت منه أن أسجل هذا الكلام للتاريخ و الذاكرة الوطنية و رفض ذلك
1- لمذا رقض تسجيل هذا الكلام ؟
2 – ثانيا توفي الدكتور الحبيب ثامر في سنة 1949 و لم يكن بعد بورقيبة في الحكم
3 – هل حصل فعلا هذا الكلام أم هو تجني على الزعيم بورقيبة ؟
فأجابني عن ذلك السيد عمر التريكي ابن المناضل حسين التريكي رحمه الله و الذي عاشر بورقيبة في القاهرة اذ أنه كان يعيش معه في بيت والديه ب "غاردن سيتي" و هذا ما قاله لي بالفيديو ...